سورة هود، يوسف، الرعد، ابراهيم، الحجر و النحل

سورة هود

هدف السورة: الإستمرار في الإصلاح دون تهوّر أو ركون

هذه السورة وأخواتها سورتي يونس السابقة وسورة يوسف هي أول ثلاث سور لأسماء أنبياء وكلما كان اسم السورة على اسم نبي كانت قصة هذا النبي هي محور السورة وفي ختام السورة تأتي أية تلخّص للقصة وكأنها قاعدة في كل السور المسماة بأسماء أنبياء. وهذه السور الثلاث نزلت في وقت واحد وبنفس الترتيب التي ورد في المصحف ونزلت السور الثلاث بعد وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها ووفاة عم الرسول أبو طالب وما لاقاه من أذى في الطائف والرفض دعوته ونصرته من قبائل العرب وكانت تلك الفترة عصيبة جداً على الرسول وعلى المسلمين في مكة لما لاقوه من أذى المشركين فمنهم من أمره الرسول بالهجرة الى الحبشة ومنهم من بقي في مكة يتعرض للأذى والتضييق من قبل كفار قريش، فكأنما أنزل الله تعالى هذه الآيات تسلية للنبي وتسرية عنه لأنها تقصّ عليه ما حدث لإخوانه الرسل من أنواع الإبتلاء ليتأسّى بهم في الصبر والثبات. وجاءت السورة لتوضح لنا أن من يمر بهذه الأزمات والمحن قد يتصرف وفق احد هذه التصرفات:

1. يفقد الأمل والعمل

2. يتهور ويلجأ إلى العنف والتصرفات غير المحسوبة وتدمير الغير

3. يركن للقوي ويعيش في ظله ويترك قضيته وينتهي أمره على هذا النحو.

لكننا نرى أن الرسل لم يأخذوا أي واحد من هذه التصرفات وكذلك جاءت الآيات تدعو الرسول لعدم التصرف بهذه التصرفات وإنما جاءت آية محورية التي هي أساس السورة والتي تدور الآيات حولها: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) آية 112 و(وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ) آية 113. وهذه الآيات تضمنت التوجيه للرسول والمسلمين كيف يتصرفون في هذه المحنة وفي أي محنة قد تصيبهم في أي زمن وفي أي مكان. إن هذه الآية تعالج حالة نفسية لأناس في وضع صعب للغاية فجاءت بالأمر الأول (استقم) أي اصبر واستمر بالدعوة، ثم جاء الأمر الثاني: (لا تطغوا) أي اياكم والتهور والطغيان وجاء الأمر الثالث: (ولا تركن) بمعنى إياك أن تعيش في ظل القوي وتستسلم له. وهذه الأوامر الثلاث هي على عكس التصرفات المتوقعة ممن أصابته المحن كما أوردنا سابقاً. وقد قال الحسن رضي الله عنه: سبحان الذي جعل اعتدال الدين بين لائين: لا تطغوا ولا تركنوا.

وجاءت آيات السورة تتحدث عن نماذج من الأنبياء الذين أصابتهم المحن ولاقوا من المصاعب ما لاقوا خلال دعوتهم لأقوامهم ومع هذا كله صبروا واتبعوا هذه الأوامر الثلاث. وهذه السورة هي في غاية الأهمية للمسلمين لذا قال الرسول : شيّبتني هود وأخواتها.

تبدأ السورة بتمجيد القرآن العظيم الذي أحكمت آياته (الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) آية 1 وتدعو إلى توحيد الله تعالى (أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) آية 2. وعرضت الظروف الصعبة التي كان يعيشها المسلمون (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) آية 5. ويدعو الله تعالى رسوله للثبات والاستمرار في الدعوة رغم كل الظروف (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) آية 12، وعرضت لعناصر الدعوة الإسلامية في ظل كل الظروف الصعبة عن طريق الحجج العقلية مع الموازنة بين فريقي الضلال والهدى وفرّقت بينهما كما تفرق الشمس بين الظلمات والنور ( مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ) آية 24 ويتحدث الربع الأول من السورة (أول 30 آية) عن هذا المعنى: التكذيب شديد وتأثيره شديد على المسلمين.

ثم تنتقل الآيات تتحدث عن سبع نماذج من الرسل الكرام وصبرهم على ما لاقوه من قومهم:

· قصة نوح عليه السلام أبو البشر الثاني وقد وردت قصة نوح في هذه السورة بتفصيل لم تذكره أية سورة أخرى من السور حتى سورة نوح نفسها. وتشرح كيف صبر نوح على قومه فقد لبث فيهم عمراً طويلاً أطول من أي نبي آخر 950 عاماً يدعوهم وهم على تعنتهم ويسخرون منه ولمّا طلب الله منه أن يصنع الفلك استمرت هذه العملية سنوات عديدة حتى زرع الشجر ثم أخذ منها الخشب وصنع السفينة وكان يمكن لله تعالى أن يهلك قوم نوح من غير انتظار هذه المدة الطويلة لكن حكمته أرادت أن يظهر طول معاناة نوح وصبره كل هذه السنوات على الأذى حتى نتعلم منه الصبر مهما طال الأذى وعدم اليأس والاستمرار بالدعوة. ولم يكن رد نوح عليه السلام على قومه انفعالياً ولا غاضباً إنما قال: (قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ) آية 33. فكأنه استقام كما أمره الله وصبر على الدعوة واستمر فيها ولم يتهور في ردة فعله وإنما كان ينصح لهم (الآيات28،29،30،31،32،33،34،35 ) ولم يركن حتى الى ابنه الذي كان من المغرقين ولم ترد قصة ابن نوح عليه السلام إلا في هذه السورة لمناسبة ورودها لهدف السورة وتحقيق معنى لا تركن ولو كان الكافر الظالم من أهله (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) آية 45 وآية 47 (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ) وتأتي العبرة في نهاية قصة نوح عليه السلام (فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) آية 49.

· ثم تأتي قصة هود عليه السلام مع قومه وقد سميت السورة باسمه تخليداً لجهوده الكريمة في الدعوة إلى الله فقد كان قومه من العتاة المتجبرين الذين اغتروا بقوتهم وقالوا من أشد منا قوة؟ فواجههم هود عليه السلام وكان رجلاً فرداً بين الجمّ الغفير من عتاة عاد الغلاظ الشداد وقد حقّرهم وانتقص آلهتهم وحثّهم على التصدي له وهي من أعظم الآيات أن يواجه بهذا الكلام رجل واحد أمة عطاشاً إلى إراقة دمه وذلك لثقته بربه وقد قال لهم هود عليه السلام كلاماً جامعاً في أية واحدة ما قالها نبي ولا رسول لقومه أبداً اشتملت كل المعاني الثلاثة التي ذكرناها سابقاً (إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) الآيات 54-55-56 - 57. فكأنما جمعت هذه الآيات (استقم واصبر واستمر بالدعوة ولا تطغى ولا تركن الى الذين ظلموا) فلم يتحدث أحد بقوة وعدم ركون واصرار على الرسالة إلا سيدنا هود عليه السلام ولذا سمى الله تعالى السورة باسمه.

· ثم جاءت قصة نبي الله صالح ثم قصة لوط وشعيب ثم قصة موسى وهارون صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً ثم التعقيب المباشر بما في هذه القصص من العبر والعظات التي تدور حول محور السورة وتخدم أهدافها وتعرض صبر كل نبي على أذى قومه وعدم ركونه وطغيانه.

· ثم ختمت السورة الكريمة ببيان الحكمة من ذكر قصص المرسلين لتثبيت قلب النبي أمام الشدائد والأهوال اتي تعرض لها (وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) آية 120. ثم يعرض الله تعالى لنا كيفية تنفيذ الأوامر التي وصّانا بها ويدلنا أن العبادة هي التي تعين على الاستقامة (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) آية 114، والصبر الآية 115 (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)، وكأنما الآيات كلها من الآية 113 إلى نهاية السورة تعين على تنفيذ الهدف. وتختم السورة بالتوحيد كما بدأت به ليتناسق البدء مع الختام (وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) آية 123.

ومن لطائف سورة هود البلاغية أن الأوامر بأفعال الخير أفردت للنبي وإن كانت عامة في المعنى (فاستقم كما أمرت، وأقم الصلاة، واصبر) وفي المنهيّات جمعت للأمة (ولا تطغوا، ولا تركنوا إلى الذين طلموا).

----------------------------------------------------------------------------------


هدف السورة:  الثقة بتدبير الله (إصبر ولا تيأس)

سورة يوسف هي إحدى السور المكية التي تناولت قصص الأنبياء باسهاب وإطناب دلالة على إعجاز القرآن في المجمل والمفصّل وفي الإيجاز والإطناب (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) آية 111 . وقد أفردت الحديث عن قصة نبي الله يوسف بن يعقوب وما لاقاه من أنواع البلاء ومن ضروب المحن والشدائد من إخوته والآخرين في بيت عزيز مصر والسجن وفي تآمر النسوة حتى نجّاه الله تعالى. والمقصود بهذه السورة التسرية عن النبي  بعدما مرّ به من أذى ومن محن في عام الحزن وما لاقاه من أذى القريب والبعيد فأراد الله تعالى أن يقص عليه قصة أخيه يوسف وما لاقاه هو في حياته وكيف أن الله تعالى فرّج عنه في النهاية لأنه وثق بتدبير الله تعالى ولم ييأس لا هو ولا أبوه يعقوب. ونلاحظ أن سورة يوسف تناولت قصة يوسف الإنسان وليس يوسف النبي إنما جاء ذكره كنبي في سورة غافر لذا فقصته في سورة يوسف لها ملامح إنسانية تنطبق على يوسف وقد نتطبق على أي من البشر. وقصة يوسف تمثل قصة نجاح في الدنيا (أصبح عزيز مصر) وقصة نجاح في الآخرة أيضاً (وقوفه أمام إغراءات امرأة العزيز رغم كل الظروف المحيطة به خوفاً من الله عزّ وجلّ).
وقد اشتملت قصة يوسف على كل عناصر القصة الأدبية واشتملت على الكثير من المشاهد التصويرية بحيث تجعل القارئ يرى فعلا ما حدث وكأنه ماثل أمام ناظريه. وللسورة أسلوب فذ فريد في ألفاظها وتعبيرها وأدائها وفي قصصها الممتع اللطيف وتسري مع النفس سريان الدم في العروق وجريان الروح في الجسد ومع أن السور المكية تحمل في الغالب طابع الإنذار والتهديد إلا أن سورة يوسف اختلفت عن هذا الأسلوب فجاءت ندّية في أسلوب ممتع رقيق يحمل جو الأنس والرحمة وقد قال عطاء: "لا يسمع سورة يوسف محزون إلا استراح إليها"  وقال خالد بن معدان: "سورة يوسف ومريم مما يتفكّه به أهل الجنة في الجنة". ولقد ابتدأت السورة بحلم (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) آية 4 وانتهت بتفسير الحلم (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا) آية .100
وتسير أحداث القصة بشكل مدهش فالأصل أن يكون محبة الأب لابنه شيء جميل لكن مع يوسف تحول هذا الحب لأن جعله إخوته في البئر، ثم إن الوجود في البئر أمر سيء لكن الله تعالى ينجي يوسف بأن التقطه بعض السيّارة ثم كونه في بيت عزيز مصر كان من المفروض أن يكون أمراً حسناً لولا ما همّت به امرأة العزيز، ثم السجن يبدو سيئاً لكن الله تعالى ينجيه منه ويجعله على خزائن الأرض ثم يصبح عزيز مصر وكأن الرسم البياني للسورة يسير على النحو التالي:


بيت الأب 


البئر 


السجن


عزيز مصر

                           

وقد أسهبت السورة في ذكر صبر يوسف على محنته بدءاً من حسد إخوته له وكيدهم ثم رميه في الجبّ ومحنة تعلق إمرأة العزيز به ومراودته عن نفسه ثم محنة السجن بعد الرغد الذي عاشه في بيت العزيز ولمّا صبر على الأذى في سبيل العقيدة وصبر على الضر والبلاء نقله الله تعالى من السجن إلى القصر وجعله عزيز مصر وملّكه خزائن الأرض وجعله السيد المطاع والعزيز المكرم . وهكذا يفعل الله تعالى بأوليائه ومن يصبر على البلاء فلا بد لرسول الله  أن يقتدي بمن سبقه من المرسلين ويوطّد نفسه على تحمل البلاء (فاصبر كما صبر أولي العزم من الرسل). وكأنما قصة يوسف مشابهة نوعاً ما لما حصل مع الرسول  فيوسف لاقى الأذى من إخوته والرسول  لاقاه من أقرب الناس إليه من أقاربه وعشيرته ويوسف هاجر من بلده إلى مصر وفيها أكرمه الله بجعله عزيز مصر وفي هذا إشارة للنبي  أنه بهجرته إلى المدينة سيكون له النصرة والمنعة ويحقق الله تعالى له النصر على من آذوه وأخرجوه من مكة. وقد تحدثت الآيات كثيراً عن عدم اليأس في سورة يوسف فالأمل والصبر موجودان دائماً للمؤمن مهما بلغت به المحن والبلايا (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) آية 87 وآية 110 (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ). ولننظر إلى قمة التواضع عند يوسف عليه السلام فبعد كل ما أعطاه الله تعالى إياه من ملك مصر وجمعه بأهله جميعاً ماذا طلب من ربه بعد هذا كله؟ قال: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) آية 101، فيا لتواضعه عليه لسلام.

----------------------------------------------------------------------------------------------

هدف السورة:  قوة الحق وضعف الباطل

سورة الرعد من السور المدنية التي تقرر وحدانية الله تعالى والرسالة والبعث والجزاء. وتدور السورة حول محور مهم هو أن الحق واضح بيّن راسخ وثابت والباطل ضعيف زائف خادع مهما ظهر وعلا على الحق ببهرجهه وزيفه. وعلينا أن لا ننخدع ببريق الباطل الزائف لأنه زائل لا محالة وبيقى الحق يسطع بنوره على الكون كله. وعرضت السورة للمتناقضات الموجودة في الكون في آيات عديدة حتى الرعد هو من هذه المتناقضات لذا ورد ذكره في السورة وسميت السورة به.
ولقد سميت السورة (سورة الرعد) لتلك الظاهرة الكونية العجيبة التي تتجلى فيها قدرة الله تعالى وسلطانه وهذا الرعد جمع النقيضين فهو على كونه مخيفاً في ظاهره إلا أنه فيه الخير كله من الماء الذي ينزل من السحاب الذي يحمل الماء والصواعق وفي الماء الإحياء وفي الصواعق الإفناء والهلاك وقد قال القائل:
جمعُ النقيضين من أسرار قدرته                                                      هذا السحاب به ماءٌ به نار
وتسير الآيات  في السورة على النحو التالي:
  • الكتاب: تبدأ السورة بقضية الإيمان بوجود الله ووحدانيته ومع سطوع الحق ووضوحه إلا أن المشركين كذبوا بالقرآن وجحدوا وحدانية الرحمن،. (المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ) آية 1
  • مظاهر الحق في الكون: جاءت الآيات تقرر كمال قدرة الله وعجيب خلقه في الكون كله وكيف يدبر الأمر ويفصل الآيات ويمد الأرض ويغشي الليل النهار فالله هو الحق وقرآنه حق واتّباعه حق وبعد إظهار كل هذا الحق يشكك المشركون بالبعث بعد الموت، فليتفكروا في عظيم خلق الله في الكون. (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ * وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَز* وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) الآيات 2 – 3- 4.
  • المتناقضات الموجودة في الكون: جمعت الآيات 32 متناقضاً في الكون وعلينا أن نفكر أن الذي جمع كل هذه المتناقضات هو الحق ولا يتم ذلك إلا بإرادته سبحانه (اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ) (سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) الآيات 8 – 10 – 12- 15 – 16 – 17 – 39 وحتى الرعد فيه متناقضات أنه موجب وسالب وأنه على ظاهره المخيف يحمل الخير والمطر الذي ينبت الزرع ويسقي الناس والبهائم.
  • الكون والقرآن: (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) آية 31 القرآن هو الوحيد في الكون الذي يمكنه أن يحرك الدنيا ويحرك الأرض والكون من عظمته وقوة الحق فيه ولمّا وعى المسلمون السابقون هذا الأمر وصلت الأمة الإسلامية إلى أوجها وعمت الدنيا.
  • قوة الحق: (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ) آية 14 و(أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ) آية 17 الحق قوي له دعوة والباطل زائف تماماً كالسيل يجرف معه على سطح الماء الأوساخ وأما الذي يبقى وهو الطمي هو المفيد للزرع، وكذلك عندما يصفى الذهب تصعد الشوائب للأعلى ويبقى الذهب الخالص في الأسفل. وهذا إشارة أن الباطل يكون على السطح لأنه ظاهر لكن الحق راسخ وقد يكون غير ظاهر للوهلة الأولى.
  • ختام السورة تشهد للرسول بالنبوة والرسالة وأنه مرسل من عند الله. (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) آية 43.

    ----------------------------------------------------------------------------------------



    هدف السورة:  نعمة الإيمان ونقمة الكفر

    تتحدث السورة عن مواجهة الرسل مع أقوامهم الرافضين لدعوتهم وتركّز السورة على أن أهم نعمة على الإطلاق هي نعمة الإيمان وأشرّ نقمة هي الكفر. وقد يتخيل البعض أن النعم هي نعم الدنيا المادية ويتعلقون بها ويحرصون على كسبها والتنعم بها على حساب الآخرة. وتتحدث السورة أيضاً عن خطبة إبليس في جهنم (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) آية 22 وكيف يتبرأ ممن أغواهم. ثم تنتقل السورة إلى أعظم نعمة في الأرض (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء) آية 24 وهذه الكلمة الطيبة هي كلمة التوحيد وهي أفضل النعم لا النعم المادية من مال وبنين. مثلما يثمر شجر الدنيا بأطيب الثمار نأكلها فإن التوحيد يثمر في الآخرة جنة ونعيماً خالداً، أما الكفر فهو كالكلمة الخبيثة أي الشرك.
    ثم تنتقل السورة إلى عرض نموذج سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي عرف أن نعمة الله تعالى تتجلى في نعمة الإيمان (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء) آية 39 – 40 ولذا سميت السورة باسمه لأنه خير نموذج لمن قدّر النعمة.
    ثم تختم السورة (العشر آيات الأواخر) باظهار خطورة الكفر (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ) آية 42 إلى نهاية السورة، وكأنما السورة عرضت لنموذجين أحدهما عرف قدر نعمة الإيمان والوحيد والآخر كفر بالنعمة فكانت نقمة عليه وهذا هو هدف السورة ومحورها الذي دارت حولها الآيات.

    ----------------------------------------------------------------------------------------


    هدف السورة: حفظ الله لدينه

    السورة مكية ونزلت في وقت اشتد الأذى على الرسول  والمسلمين في مكة وتعرضوا للإستهزاء والإتهام كحال المسلمين الآن فجاءت هذه السورة وكأنها رسالة قرآنية من الله تعالى ليطمئن رسوله والمسلمين أن هذا الدين محفوظ من الله تعالى وما على المسلمين إلا الإستمرار في الدعوة والتركيز عليها وعدم الإنبهار بقوة اعدائهم او الإستشعار بالضعف والوهن والإنهزامية أمام الأعداء.
    الحجر هو مكان سكنت فيه ثمود الذين ابتعدوا عن منهج الله تعالى وكانوا قد نحتوه في الجبال ليختبئوا من الزلازل والصواعق بظنهم أنه مكان آمن لهم يقيهم ويحفظهم (وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ) آية 82 ، لكن الله تعالى أهلكهم بالصيحة التي دخلت آذانهم فتركتهم صرعى ولم ينفعهم كل ما احتاطوا له ومكثهم في الحجر ما منع قضاء الله وعذابه من أن يحلّ بهم (فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) آية 84. وفي هذا دلالة على أن الله تعالى هو الحافظ ولا يتم الحفظ او الحجر بالوسائل المادية وهذا حجر ثمود أكبر دليل على ذلك. ولقد سميت السورة بسورة الحفظ لأن كل آياتها تؤكد أن الله تعالى يحفظ كل شيء، ولذا جاءت فيها آية 9 (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) خاصة دون غيرها من سور القرآن.
    بداية السورة ونهايتها تتحدث عن حفظ الله تعالى للكون
    (الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ) آية 1 و(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) آية 97،98،99. وكأن الآيات الآخيرة هي الحل والتوجيه حتى يحفظنا الله تعالى.
    يحفظ القرآن (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) آية 9
    والسموات والأرض (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ) آية 16 و 17
    والرزق (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ) آية 21
    والمؤمنون وقد تحدثت الآيات عن الشيطان كيف واجه ربه بأنه سيغوي عباد الله إلا الذين حفظهم الله تعالى (إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) آية 40 وقال تعالى (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) آية 42
    وقد جاءت جزئية قصة إبليس عندما قال لربه (قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) آية 39 في هذه السورة خاصة بمعنى أنه سيحاول أن يخدع المسلمين ويغويهم بالباطل لذا جاءت الآية بعدها (لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) آية 88. فالسورة كلها تؤكد للمسلمين أن الله حافظهم والمؤمنون حقاً هم الذين يحفظهم الله تعالى من الشيطان ونزغه (إلا عبادك منهم المخلصين)

    ----------------------------------------------------------------------------------------


    هدف السورة: الشكر على  النعم

    هي من السور المكية وهي سورة مليئة بنعم الله تعالى وبشكر النعم.
    ونعم الله في الكون إما أن تكون نعم ظاهرة يراها الإنسان في حياته ويدركها بحولسه وهي صور حيّة مشاهدة دالة على وحدانية الله تعالى وناطقة بآثار قدرته التي أبدع بها الكائنات من البحار والجبال والسهول والوديان والسماوات والأرض والمطر والزرع والفلك التي تجري في البحر والنجوم التي يهتدي بها السالكون في ظلمات الليل والأنعام والخيل والبغال والحمير ونعمة خلق الإنسان ونعمة الغذاء ، وإما أن تكون نعم في الكون لا نراها ولا ندركها بأسماعنا وأبصارنا لكنها موجودة في الكون نستفيد منها بدون أن نلمسها مثل المخلوقات الموجودة في أعماق البحار وما تحويه الأرض من خيرات لا ندركها  وقوانين الجاذبية وغيرها من القوانين التي يسير بها الكون أو تعمل بها أجسادنا أو ما حولنا من مخلوقات الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * ...* وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) الآيات من 3 إلى 16. وهناك نعمة أخرى هي نعمة كيف يخرج الله تعالى هذه النعم (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ)آية 66 و (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) آية 78. فنعم الله تعالى كثيرة جداً مصداقاً لقوله تعالى (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) آية 18. وأهم من هذه النعم كلها وهي ما ابتدأت به السورة هي نعمة الوحي (يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ) آية 2. وقد جاء ترتيب نعمة الوحي ثم نعمة نزول المطر لأن الوحي ينزل على القلوب فيحييها والمطر ينزل على الأرض فيحييها وهذا الربط بين سورة ابراهيم وسورة النحل، فسورة ابراهيم تحدثت عن نعمة الوحي والإيمان وسورة النحل تتحدث عن باقي نعم الله في الكون.
    وتأتي في السورة آية محورية هي محور السورة (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) آية 18 وفيها تذكير بأن نعم الله على الخلق أكبر من أن تعد أو أن تحصى.
    ثم تنتقل السورة إلى التحذير من سوء استخدام هذه النعم: فما أكثر ما يستخدم الإنسان نعم الله في معصيته أو فيما يعود عليه بالضر والإفساد له أو اغيره أو للكون (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ) آية 26 و (لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) آية 55 و(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) آية 58، 59 و(وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) آية 67 و(يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ) آية 83. وتأتي فواصل في السورة دائماً تذكر بأن النعم هذه هي من عند الله تعالى (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) آية 53. والنعمة قيدها الشكر لذا يجب أن يعرف الإنسان عظمة نعم الله عليه ثم يشكره عليها بأن يوجهها لطاعة الله ويحذر من استخدامها في معصيته كما في مثل القرية المطمئنة (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) آية 112.
    سميت السورة بسورة النحل (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) آية 68 - 69 وهي نعمة من الله تعالى أيضاً فقد أمر الله تعالى النحل (إتخذي، اسلكي، كلي) فلمّا نفّذت النحل أوامر الله تعالى أخرج سبحانه من بطونها غذاء نافع مفيد هو العسل. وهذا توجيه للعباد بأن عليهم أن ينفذوا أوامر الله تعالى وويتبعوا الوحي حتى يخرج الله تعالى للمجتمع خيراً نافعاً مثلما أخرج العسل من النحل. ولهذا نزلت آية النحل في هذه السورة خاصة لأنها من نعم الله تعالى. فلو استعملنا نعم الله في مرضاته أخرج لنا من الخير كله ويزداد الخير في المجتمع.



تعريف القرآن الكريم