سورة محمد، الفتح، الحجرات، ق، الذاريات، الطور، النجم، القمر، الرحمن، الواقعة و الحديد

سورة محمد

هدف السورة:  إتّباع محمدهو مقياس قبول الأعمال
سورة محمد والفتح والحجرات يجمعها محور واحد وهو الرسول  والسور الثلاثة مدنية ولكل منها هدف خاص بها نستعرضه فيما يلي كل سورة على حدة.
ورد في سورة محمد ذكر إحباط الاعمال وقبولها 12 مرّة في 38 آية وهذا لأهمية الأعمال في حياة المسلم، وتربط السورة دائماً مسألة قبول أو إحباط الأعمال بإطاعة الرسول  واتّباع أوامره وسنّته. كما جاء في السورة ذكر القتال لأنه امتحان لصدق أتباع الرسول  وهو أمر شاقُ على الأنفس فطاعة الرسول تتمثل في إقبالهم على الجهاد في سبيل الله., والحبوط لغة هو انتفاخ بطن الدّابة حيت تأكل نوعاً ساماً من الكلأ ثم تلقى حتفها، وهذا اللفظ أنسب شيء لوصف الأعمال التي يظنّ أصحابها أنها رابحة ولكنها تنتهي إلى البوار.
طاعة الرسول وارتباطه بقبول أو إحباط الأعمال:
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (آية 1)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (آية 2)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (آية 8)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (آية 9)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (آية 28)
وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (آية 30)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (آية 33)
فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (آية 35)
ثم تتوسط السورة آية محورية (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ) آية 20 و21 تخبر المسلمين أنه أولى لهم طاعة الرسول  إذا أرادوا قبول أعمالهم لأن كل طريق إلا طريق محمد فهو ضلال كما قال . وقد قال الإمام ابن حنبل: نظرت في القرآن فوجدت (أطيعوا الرسول) 33 مرة ثم سمعت قوله تعالى (فليحذر الذين يخالفون عن أمره).
وختمت السورة بذكر عقاب المؤمنين الذين لا يتّبعون الرسول . (هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) آية 38
سميّت السورة بـ (محمد) تذكيراً باتباع محمد  الذي هو مقياس لقبول الأعمال.
----------------------------------------------------------------------------------------------


سورة   الفتح

هدف السورة:  سورة الفتوحات  والتجلّيات الربانية
نزلت هذه السورة الكريمة على الرسول  بعد عودته من صلح الحديبية ولمّا نزلت فرح بها فرحاً شديداً وقال: "أنزلت عليّ الليلة سورة هي أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها). وقد كان الصحابة محبطين من منعهم من أداء العمرة ثم عقدوا صلح الحديبية فكانت فترة الصلح بمثابة الهدنة. ومن عظيم الخطاب القرآني وعظم الرسالة أن تسمّى هذه السورة الفتح مع أنها تتحدث عن فترة هدنة وصلح وهذا دليل على أن الإسلام يدعو للصلح ولا يدعو للحرب كما يتصوره البعض من ضعفاء النفوس، ولقد كانت فترة الهدنة هذه من أهمّ الفترات في انتشار الرسالة وإسلام العديد من الناس وهي أكثر فترة ينتشر فيها الدين. ولقد سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الرسول : أفتح هو؟ قال : يا عمر إنّه لفتح. وهي من أكثر السورة التي ذكر فيها الصحابة بخير لأنهم لمّا غضبوا بعد منعهم من العمرة كان غضبهم لله ورسوله وليس لأنفسهم فكانوا مخلصين في إحساسهم وغضبهم لدينهم فجاء التفضّل عليهم من رب العزة بالمدح والثناء عليهم في هذه السورة الكريمة.
وهذه السورة هي سورة الفتوحات بحق فكل آية فيها تشير إلى نوع من أنواع الفتح نستعرضها فيما يلي:
1.      مفغرة الذنوب (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا) آية 1
2.      إتمام النعمة والهداية (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا * ا) آية 2
3.      النصر (وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزً) آية 3
4.      إنزال السكينة (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) آية 4. نلاحظ وردت السكينة 3 مرّات في السورة
5.      الجنّة (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا) آية 5
6.      كشف المنافقين (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا ) آية 6
7.      الرضى عن المؤمنين (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) آية 18
8.      الغنائم (وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا) آية 19 و 20
9.      طمأنينة الأقلية المؤمنة في مكة (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) آية 25
10.  بشرى فتح مكة (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا) آية 27
11.  إظهار الدين (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) آية 28
12.  الوعد بالمغفرة والنصر العظيم
13.  أكبر عدد دخل الإسلام بعد صلح الحديبية
14.  آية الرضوان (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) آية 18
فلماذا استحق المسلمون هذا الفتح كلّه؟ لأنهم ببساطة صدقوا الله في العبادة وعلم الله صدقهم (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) آية 18
ثم تأتي الآيات تدل على مواصفات الفئة المستحقة للفتح: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) آية 29 وهذه آية خطيرة لأنها أوضحت صفات الرسول  والذين معه وجمعت لهم الصفات التي لم تكن عند اليهود والنصارى من قبلهم، جمعت لهم العبادة الخالصة لله (ركّعاً سجّداً) مقابل صفات اليهود الماديين الذين لم يتصفوا بالعبادة. وجمعت لهم صفة العمل والجد والنجاح (كزرع أخرج شطأه) بنيّة إغاظة الكفّار وهذه صفات لم تكن عند النصارى الذين كانوا ربّانيين ورهبانا وروحانيّون ولم يكونوا يدعون للعمل، وكأن صفات المؤمنين الذين يستحقون الفتح من الله هي الصفات التي تجمع بين العبادة والعمل فهم الأمة الوحيدة التي جمعت هاتين الصفتين معاً. اليهود كانوا ماديين فقط والنصارى كانوا روحانيين وربانيين فقط.
لفتة: في ختام سورة محمد السابقة ختمت السورة (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) وختمت هذه السورة بصفات المؤمنين الذين يطيعون الرسول (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).
--------------------------------------------------------------------------------------------


سورة   الحجرات

هدف السورة:  أدب العلاقات
سورة الحجرات هي سورة تتحدث عن أدب العلاقات والتعامل مع الرسول  ومع المسلمين والناس عامة. وكأن الهدف من هذه الآداب والتوجيهات أنكم يا من سينزّل عليكم الفتح تأدبوا بالعلاقات مع الرسول  هذا بالإضافة إلى الصفات التي أوردها الله تعالى في سورة الفتح (آية 29). فكأنما أراد الله تعالى أن يجمع لهم صفات العبادة والعمل مع الصفات الخلقية والذوقية حتى يكونوا أهلاً للفتح من عند الله تعالى. وقد تضمّنت السورة العديد من الآداب نستعرضها فيما يلي:
  1. الأدب مع الشرع: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) آية 1
  2. الأدب مع النبي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) آية 2 و 3
  3. أدب تلقّي الأخبار: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) آية 6
  4. أدب الأخوّة بين المؤمنين: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) آية 10
  5. أدب الإصلاح في حال وقوع خلاف: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) آية 9
  6. الآداب الإجتماعية بين المسلمين : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) آية 11 و 12
  7. أدب التعامل مع الناس بشكل عام: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) آية 13 . وقد تأخر ذكر أدب التعامل مع الناس في السورة وهذا ليرشدنا أنه قبل أن نتعامل مع الناس بأدب علينا أن نحقق ونكتسب كل الآداب السابقة في التعامل مع رسولنا وفيما بيننا حتى نتميّز بأخلاقنا وآدابنا وحتى نترك عند الناس من غير المسلمين الإنطباع الحسن لأن الخلق الحسن قد يفتح من البلاد وقلوب العباد ما لا تفتحه الحروب والمعارك. وكم من الناس دخلوا في الإسلام بأخلاق المسلمين الفاتحين لا بالسيف.
  8. أدب التعامل مع الإيمان ومع الله تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) آية 17
فهذه السورة هي حقاً سورة الآداب الإجتماعية وقد سميّت بـ (الحجرات) لأن الله تعالى ذكر فيها حرمة بيوت النبي وهي الحجرات التي كان يسكنها أمهات المؤمنين الطاهرات رضوان الله عليهم وهذا لتربطنا بالنبي  وفي هذا دلالة أيضاً على ارتباط السور الثلاثة محمد  والفتح والحجرات بمحور واحد هو (محمد ) ففي سورة محمد كان الهدف إتّباع الرسول   وفي سورة الفتح مواصفات أتباعه وفي سورة الحجرات أدب التعامل مع الرسول والمجتمع.
----------------------------------------------------------------------------------------------


الجزء السابع والعشرين

الهدف العام: قضية الإختيار
هذا الجزء يشتمل على ثماني سور يجمعهم محور واحد وتتفرد كل منهم بهدف من أهداف المحور الرئيسي للجزء كلّه. بعد أن عرضت الأجزاء السابقة في القرآن الكريم للمنهج يأتي هذا الجزء والذي يخيّرنا الله تعالى بين أمور عدة علينا أن نحسن الإختيار حتى نفوز في النهاية. وقد عرضت السور والآيات عدة طرق للإختيار منها: طريق إرضاء الله وطريق إغضابه، وطريق الجنة وطريق النار، وطرق النعم وطريق النقم، وطريق الرزق وغيرها والمطلوب منك أيها المسلم المؤمن أن تحسم أمرك وتختار بعد أن عرفت عن كل هذه الإختيارات ما يعينك على حسن الإختيار. وهذا الجزء كله يركّز على التذكرة بالآخرة وفيه اسلوب ترقيق القلوب الذي هو من أنجع الأساليب في الدعوة وتطهير القلوب والنفس البشرية. والسور كلها مكّية ما عدا سورة الحديد فهي مدنية. وأربع منها ابتدأت بالقسم (ق، الطور، النجم، الذاريات).
سورة   ق

هدف السورة:  إختيار طريق الجنّة أو طريق النار
السورة مكّية وقد بدأت بالقسم بالقرآن الكريم الذي يكذب به المجرمون. وفيها تعرض الآيات طريق النار وطريق الجنة عن طريق حوار في الآيات بين الملائكة وأهل النار  والعياذ بالله (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ) آية 23 إلى (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ) 30. وبينهم وبين أهل الجنة جعلنا الله تعالى منهم (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) آية 31 إلى (لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ) 35. ونلاحظ بلاغة التعبير القرآني في قوله تعالى (يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد) وبين قوله تعالى (وأزلفت الجنة للمتقين) فالنار تقول هل من مزيد دليل على سعة جهنم وأنها تتسع لكل المجرمين والكفار لو ألقوا فيها، أما الجنة فقد أدنيت من المؤمنين المتقين حتى تكون بمرأى منهم زيادة في إكرامهم. فبعد هذا التصوير الدقيق يا ترى ماذا نختار؟؟
وفي السورة أيضاً عرضت الآيات للنوازع الثلاثة التي قد تؤثّر على الإنسان وتؤدي إلى هلاكه:
وسوسة النفس البشرية: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) آية 16
وسوسة الشيطان: (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ) آية 23
الغفلة: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) آية 37
وتختم الآيات في هذه السورة بتذكرة الناس بالقرآن الكريم لأن فيه التذكرة لمن خاف عذاب الله وأراد أن يتّقيه فينجو بفضل الله تعالى (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ) آية 45 .

----------------------------------------------------------------------------------------------

سورة   الذاريات

هدف السورة:  العطاء والمنع بيد الله تعالى
هذه السورة مكيّة أيضاً وتبدأ يالقسم بالذاريات (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا) آية 1 إلى 4، فالذاريات: هي الريح الشديدة التي تفتت السحاب المحمّل بالمطر فتمنعه عن الإنزال، والحاملات: هي الرياح التي تدفع السحاب ليتجمّع وينزل المطر بإذن الله وهذ دليل قدرة الله تعالى أنه مرّة يسخّر الريح لتفرق السحاب ومرة لتجمعه، الجاريات: هي الفلك تجري في البحر بدفع الرياح لها تجلب الرزق للناس، المقسمات: هي الملائكة التي أمرت أن تقسم أرزاق العباد. فالجأ إلى الله لأنه هو الذي يعطي الرزق أو يمنعه بأمره وقدرته. تتحدث الآيات كلها عن رزق الله ولهذا جاءت فيها الآية المحورية (وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) آية 22. حتى ورود قصة سيدنا ابراهيم في السورة جاء ليخدم الهدف وهو الرزق فركّزت على رزق الله تعالى له بالغلام بعد سنين طويلة لأن الأولاد هم من رزق الله وعطائه سبحانه، ثم إكرام ابراهيم لضيفه (فراغ إلى أهله) دليل الكرم ، ثم جاء لهم بعجل سمين وهذا من باب الكرم والرزق والعطاء
وتختم الآيات بأنه إذا كان العطاء والمنع من الله تعالى ففروا أيها الناس إليه (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) آية 50، وتأتي الآية محورية في السورة (مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) آية 57 و 58 فالرزق من عند الله وعلينا الإختيار بين من يعطي الرزق ومن لا يملك الرزق.
----------------------------------------------------------------------------------------------

سورة   الطور

هدف السورة:  إختيار الجنّة أو النار
سورة الطور تبدأ يالقسم بخمسة أمور دليل على أهمية الموضوع وهو أهوال الآخرة وما يلقاه الكافرون في ذلك الموقف الرهيب وأقسمت أن العذاب واقع بالكفار لا محالة ولا يمنعه مانع. والسورة  تطرح اختياراً جديداً هو: ماذا نختار؟ عذاب أهل النار أو نعيم أهل الجنّة؟ تبدأ السورة بوصف جهنم وأهلها (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) آية 11 ثم تنتقل إلى وصف الجنّة وأهلها من المتقين (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) آية 17 . وفي السورة آية محورية (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) آية 21.
وقد سميّت الطور لأن الله تعالى بدأ بالقسم بجبل الطور الذي كلّم الله تعالى عليه موسى وقد نال هذا الجبل من الأنوار والتجليات الإلهية ما جعله مكاناً مشرّفاً على سائر الجبال في الأرض.

----------------------------------------------------------------------------------------------

سورة   النجم

هدف السورة:  مصادر العلم والمعرفة من الله تعالى
ابتدأت السورة بالقسم بالنجم الذي هوى ويفسّر المفسرون هوى بمعنى سجد ليتناسب مع جلال الموقف في قصة المعراج ويتناسب مع خواتيم سورة الطور والله أعلم. وهذه السورة تعرض لنا أن العلوم والمعرفة بالله وبخالق الأكوان لها طريقان: طريق الظنون والأوهام وطريق الوحي الذي جاء به النبي  وهو الكلام الصادق وما عندكم من غير طريق الوحي هو الظن والوهم.
وقد أسهبت الآيات في عرض أن الوحي صدق من الله تعالى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) آية 3 و4، و(مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) آية 11، و (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) آية 17 وكلها تؤكد على أن العلم والمعرفة هي من الله تعالى. فإياكم أن يكون في النفس شك أو ريب في صدق هذا الوحي الذي هو من علم الله تعالى وإياكم أن تكونوا كالأمم السابقة فيصيبكم ما أصابهم (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى) آية 23، و(وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) آية 28، و (ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى) آية 30 و (أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى) آية 35.
وعلينا أن نقارن من أين نستقي العلم والمعرفة عن الله تعالى. فالنجم وهو يهوي أو يسقط هو ظاهرة مادية واضحة ومع وضوحها فكذلك الوحي الذي نزل على النيي صادق وواضح والنبي  لا يضل ولا يهوي وهذا دليل وثوق الوحي والقرآن.
---------------------------------------------------------------------------------------------

سورة   القمر
هدف السورة:  التعرّف على الله من خلال النقم
هذه السورة تتحدث بمعظم آياتها على نماذج لمن كذّب بآيات القرآن وتحمل السورة طابع التهديد والوعيد والإنذار مع صور شتّى من مشاهد العذاب والدمار. وقد تكرر فيها ذكر (فكيف كان عذابي ونذر) وكذلك (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر) وتحدثت عن قوم نوح (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) آية 12، وقوم عاد (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ) آية 19، وقوم ثمود (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) آية 31، وقوم لوط: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ) آية 34، وآل فرعون: (كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ) آية 42. وكلها تتحدث عن كيفية غضب الله تعالى لنتعرف عليه من خلال النقم التي لحقت بمن كذّب بهذا القرآن. وقد ختمت السورة بآية بيّنت مآل السعداء المتقين لتحافظ على توازن اسلوب القرآن في الترغيب والترهيب (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) آية 54
----------------------------------------------------------------------------------------------



سورة   الرحمن

هدف السورة:  التعرف إلى الله  تعالى من خلال النعم
سورة الرحمن مكّية وهي تعرف بـ (عروس القرآن) كما ورد في الحيث الشريف: (لكل شيء عروس وعروس القرآن سورة الرحمن). وقد ابتدأت بتعداد نعم الله تعالى على عباده التي لا تحصى ولا تعد وفي طليعتها تعليم القرآن.  ثم أسهبت الآيات في ذكر نعم الله تعالى وآلائه في الكون وفي ما خلق فيه (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) آية 7، و (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ) آية 10، و (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ) آية 12، و (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ) آية 19.  ثم عرضت السورة لحال المجرمين (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ) آية 41 وحال المتقين السعداء (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) آية 46 وتكرر فيها ذكر (فبأي آلاء ربكما تكذبان) وردت 31 مرة في السورة. وقد ورد في الحديث عن ابن عمران أن رسول الله  قرأ سورة الرحمن على أصحابه فسكتوا فقال: ما لي أسمع الجنّ أحسن جواباً لربها منكم؟ ما أتيت على قول الله تعالى (قبأي آلاء ربكما تكذبان) إلا قالوا: لا بشيء من نعمك نكذب فلك الحمد.
فكيف نختار بعد أن تعرّفنا على كل هذه النعم من الله تبارك وتعالى؟
وهذ السورة هي أول سورة في القرآن موجهة إلى الجنّ والإنس معاً وفيها خطاب مباشر للجن (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) آية 31 إلى 33.
وختمت السورة بتمجيد الله تعالى والثناء عليه لأن النعم تستحق الثناء على المنعم وهو أنسب ختام لسورة سميّت باسم من أسماء الله الحسنى (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) آية 78 وهذا الختام يتناسب مع البداية في أروع صور البيان.
---------------------------------------------------------------------------------------------

سورة   الواقعة

هدف السورة:  الإختيار بين نماذج ثلاثة
سورة الواقعة مكّية وهي تشتمل على أحوال يوم القيامة وتركّز على انقسام الناس إلى ثلاث طوائف (أصحاب اليمين (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) آية 8، أصحاب الشمال (وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ) آية 9 ، والسابقون (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) آية 10 ) وتحدثت السورة عن مآل كل من هذه الطوائف وما أعده الله تعالى لهم من الجزاء العادل . وتحدثت السورة عن دلائل قدرة الله تعالى في الكون (أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ) آية 58 و (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ) آية 63 ، و (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ) آية 68، و(أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ) آية 71 لتجيب عن سؤال: من مالك الكون غير الله تعالى؟ ثم تتحدث عن لحظات خروج الروح وحال كل من الطوائف الثلاث في هذا الموقف ثم تنتقل إلى التذكير بعاقبة كل منهم  (فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) آية 88 و(وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ) 90 و (وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ) آية 92.
فكأنما السورة ابتدأت بذكر الطوائف الثلاث ثم عرضت لقدرة الله تعالى في الكون وبأنه مالك الكون كله في الوسط ثم اختتمت بذكر الطوائف الثلاث وعاقبتهم في الآخرة.
وختمت السورة (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) آية 96 تسبيح لله تعالى العظيم لتمهّد لبداية سورة الحديد.
---------------------------------------------------------------------------------------------


سورة   الحديد

هدف السورة:  التوازن بين المادية والروحانية
السورة مدنية وهي تدل في آياتها على أنه علينا التوازن بين المادية والروحانية وتحدثت السورة عن نوعين من الناس: الماديين الذي أخذتهم الحياة وخاطبهم الله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) آية 16، وتكلمت أن الذين عاشوا في روحانية مطلقة وخاطبهم الله تعالى: (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) آية 27، والنموذجين لم يستطيعوا أن يكملوا حمل الرسالة والمنهج. وجاءت الآية بعد خطاب الماديين (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) آية 17 أن الله الذي يحيي الأرض بعد موتها فالله تعالى القادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على أن يحيي القلوب في الصدور.
فالسورة تقول مخاطبة أمة محمد: أنتم لا ماديين كبني إسرائيل ولا متفرغين للروحانية كالنصارى إنما أنتم متوازنين بين الإثنين.
وفي السورة آية محورية هي من أهم آيات السورة (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) آية 25 (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات): تدل على الروحانية، و(أنزلنا الحديد): تدل على الماديّة.  وعليها سميّت السورة: (الحديد) وفي قوله (وليعلم الله من ينصره) إشارة إلى استعمال الحديد في الصناعات وعدة الحروب والغواصات والمدافع والسيوف والرماح. فيا أمة محمد  يا أمة الحديد وأمة الإيمان وازنوا لأن الكون كله متوازن ولذا بدأت السورة بعرض كل المتضادات في الكون وكل شيء متوازن بأمر الله تعالى فهل يعقل أن تكون أمة سورة الحديد ليس لديها تكنولوجيا؟ فعلينا أن نهتم بالصناعات التي فيها قوة الإنسان في السلم وفي الحرب وعدّته في البنيان والعمران.













تعريف القرآن الكريم